کد مطلب:239664 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:173

نص الکتاب
كتب العباسیون كتابا الی المأمون، و طلبوا منه الاجابة علیه ؛ فأجابهم بما یلی :

«بسم الله الرحمن الرحیم : و الحمد لله رب العالمین، و صلی الله علی محمد و آل محمد، علی رغم أنف الراغمین ..



[ صفحه 458]



أما بعد :

عرف المأمون كتابكم، و تدبیر أمركم، و مخض زبدتكم، و أشرف علی قلوب صغیركم و كبیركم، و عرفكم مقبلین و مدبرین، و ما آل الیه كتابكم قبل كتابكم، فی مراوضة الباطل، و صرف وجوه الحق عن مواضعها، و نبذكم كتاب الله و الآثار، و كلما جاءكم به الصادق محمد (ع)، حتی كأنكم من الامم السالفة، التی هلكت بالخسفة، و الغرق، و الریح، و الصیحة، و الصواعق، و الرجم ..

أفلا یتدبرون القرآن أم علی قلوب أقفالها ؟ .. و الذی هو أقرب الی المأمون من حبل الورید، لولا أن یقول قائل : ان المأمون ترك الجواب عجزا لما أجبتكم ؛ من سوء أخلاقكم، و قلة أخطاركم، و ركاكة عقولكم، و من سخافة ما تأوون الیه من آرائكم ؛ فلیستمع مستمع، فلیبلغ شاهد غائبا ..

أما بعد :

فان الله تعالی بعث محمدا علی فترة من الرسل، و قریش فی أنفسها، و أموالها، لا یرون أحدا یسامیهم، و لا یباریهم، فكان نبینا (ص) أمینا من أوسطهم بیتا، و أقلهم مالا ؛ فكان أول من آمن به خدیجة بنت خویلد ؛ فواسته بمالها . ثم آمن به أمیرالمؤمنین علی بن أبی طالب سبع سنین، لم یشرك بالله شیئا طرفة عین، و لم یعبد وثنا، و لم یأكل ربا، و لم یشاكل الجاهلیة فی جهالاتهم، و كانت عمومة رسول الله اما مسلم مهین، أو كافر معاند، الا حمزة ؛ فانه لم یمتنع من الاسلام، و لا یمتنع الاسلام منه، فمضی لسبیله علی بینة من ربه ..

و أما أبوطالب : فانه كفله و رباه، و لم یزل مدافعا عنه، و مانعا منه ؛ فلما قبض الله أباطالب، فهم القوم، و أجمعوا علیه لیقتلوه ؛



[ صفحه 459]



فهاجر الی القوم الذین تبؤوا الدار و الایمان من قبلهم، یحبون من هاجر الیهم، و لا یجدون فی صدورهم حاجة مما أوتوا، و یؤثرون علی أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة، و من یوق شح نفسه فأولئك هم الفلحون ..

فلم یقم مع رسول الله (ص) أحد من المهاجرین كقیام علی بن أبی طالب (ع) : فانه آزره و وقاه بنفسه، و نام فی مضجعه . ثم لم یزل بعد مستمسكا بأطراف الثغور، و ینازل الأبطال، و لا ینكل عن قرن، و لا یولی عن جیش منیع القلب ، یؤمر علی الجمیع، و لا یؤمر علیه أحد . أشد الناس وطأة علی المشركین، و أعظمهم جهادا فی الله، و أفقههم فی دین الله، و أقرأهم لكتاب الله، و أعرفهم بالحلال و الحرام .

و هو صاحب الولایة فی حدیث « غدیرخم »، و صاحب قوله : « أنت منی بمنزلة هارون من موسی، الا أنه لا نبی بعدی »، و صاحب یوم الطائف . و كان أحب الخلق الی الله تعالی، و الی رسول الله (ص) . و صاحب الباب، فتح له، و سد أبواب المسجد . و هو صاحب الرایة یوم خیبر . و صاحب عمرو بن عبدود فی المبارزة . و أخو رسول الله (ص) حین آخی بین المسلمین ..

و هو منیع جزیل . و هو صاحب آیة : « و یطعمون الطعام علی حبه مسكینا، و یتیما، و أسیرا » . و هو زوج فاطمة سیدة نساء العالمین، و سیدة نساء أهل الجنة، و هو ختن خدیجة (ع) . و هو ابن عم رسول الله (ص)، رباه و كفله . و هو ابن أبی طالب فی نصرته و جهاده . و هو نفس رسول الله (ص) فی یوم المباهلة .

و هو الذی لم یكن أبوبكر و عمر ینفدان أمرا حتی یسألانه عنه ؛ فما رأی أنفاذه أنفذاه، و ما لم یره رداه . و هو دخل من بنی هاشم فی



[ صفحه 460]



الشوری، و لعمری لو قدر أصحابه علی دفعه [1] عنه (ع)، كما دفع العباس رضوان الله علیه، و وجدوا الی ذلك سبیلا لدفعوه .

فأما تقدیمكم العباس علیه ؛ فان الله تعالی یقول : « أجعلتم سقایة الحاج، و عمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله و الیوم الآخر، و جاهد فی سبیل الله ، لا یستوون عند الله » .

و الله، لو كان ما فی أمیرالمؤمنین من المناقب و الفضائل، و الآی المفسرة فی القرآن خلة واحدة فی رجل من رجالكم، أو غیره، لكان مستأهلا متأهلا للخلافة، مقدما علی أصحاب رسول الله بتلك الخلة، ثم لم یزل الامور تتراقی به الی أن ولی أمور المسلمین، فلم یعن بأحد من بنی هاشم الا بعبدالله بن عباس، تعظیما لحقه، و وصلة لرحمه، وثقة به، فكان من أمره الذی یغفر الله له ..

ثم .. نحن و هم ید واحدة - كما زعمتم - حتی قضی الله تعالی بالأمر الینا، فأخفناهم، و ضیقنا علیهم، و قتلناهم أكثر من قتل بنی أمیة ایاهم .. ویحكم ، ان بنی أمیة انما قتلوا من سل منهم سیفا، و انا معشر بنی العباس قتلناهم جملا، فلتسألن أعظم الهاشمیة بأی ذنب قتلت، و لتسألن نفوس ألقیت فی دجلة و الفرات، و نفوس دفنت ببغداد و الكوفة أحیاء، هیهات، انه من یعمل مثقال ذرة خیرا یره، و من یعمل مثقال ذرة شرا یره ..

و أما ما وصفتم فی أمر المخلوع، و ما كان فیه من لبس ؛ فلعمری ما لبس علیه أحد غیركم ؛ اذ هونتم علیه النكث، و زینتم له الغدر، و قلتم له : ما عسی أن یكون من أمر أخیك، و هو رجل مغرب، و معك الأموال و الرجال، نبعث الیه ، فیؤتی به ؛ فكذبتم، و دبرتم،



[ صفحه 461]



و نسیم قول الله تعالی : « و من بغی علیه لینصرنه الله .. » .

و أما ما ذكرتم : من استبصار المأمون فی البیعة لأبی الحسن الرضا (ع) ؛ فما بایع له المأمون الا مستبصرا فی أمره، عالما بأنه لم بیق أحد علی ظهرها أبین فضلا، و لا أظهر عفة، و لا أورع ورعا، و لا أزهد زهدا فی الدنیا، و لا أطلق نفسا، و لا أرضی فی الخاصة و العامة، و لا أشد فی ذات الله منه . و ان البیعة له لموافقة رضا الرب عزوجل . و لقد جهدت و ما أجد فی الله لومة لائم ..

و لعمری، لو كانت بیعتی بیعة محاباة، لكان العباس ابنی، و سائر ولدی أحب الی قلبی، و أجلی فی عینی، و لكن أردت أمرا، و أراد الله أمرا ؛ فلم یسبق أمری أمر الله .

و أما ما ذكرتم : مما مسكم من الجفاء فی ولایتی، فلعمری ما كان ذلك الا منكم بمظافرتكم علیه، علی (خ د)، و مما یلتكم ایاه، فلما قتلته و تفرقتم عبادید، فطورا أتباعا لابن أبی خالد، و طورا أتباعا لأعرابی، و طورا أتباعا لابن شكلة، ثم لكل من سل سیفا علی . و لولا أن شیمتی العفو، و طبیعتی التجاوز ما تركت علی وجهها منكم أحدا، فكلكم حلال الدم، محل بنفسه ..

و أما ما سألتم : من البیعة للعباس ابنی .. أتستبدلون الذی هو أدنی بالذی هو خیر ؟! ویلكم، ان العباس غلام حدث السن، و لم یؤنس رشده، و لم یمهل وحده، و لم تحكمه التجارب . تدبره النساء، و تكفله الاماء، ثم .. لم یتفقه فی الدین، و لم یعرف حلالا من حرام، الا معرفة لا تأتی به رعیة، و لا تقوم به حجة، ولو كان مستأهلا، قد أحكمته التجارب، و تفقه فی الدین، و بلغ مبلغ أمیر العدل فی الزهد فی الدنیا، و صرف النفس عنها .. ما كان له عندی فی الخلافة، الا ما كان لرجل من عك و حمیر، فلا تكثروا من هذا المقال، فان لسانی لم



[ صفحه 462]



یزل محزونا عن أمور و أنباء ؛ كراهیة أن تخنث النفوس عندما تنكشف، علما بأن الله بالغ أمره، و مظهر قضاه یوما ..

فاذ أبیتم الا كشف الغطاء، و قشر العظاء، فالرشید أخبرنی عن آبائه، و عما وجده فی كتاب الدولة، و غیرها : أن السابع من ولد العباس، لا تقوم لبنی العباس بعده قائمة، و لا تزال النعمة متعلقة علیهم بحیاته، فاذا أودعت فودعها، فاذا أودع فودعاها، و اذا فقدتم شخصی، فاطلبوا لأنفسكم معقلا، و هیهات، ما لكم الا السیف، یأتیكم الحسنی الثائر البائر، فیحصدكم حصدا، أو السفیانی المرغم، و القائم المهدی لا یحقن دماءكم الا بحقها ..

و أما ما كنت أردته من البیعة لعلی بن موسی، بعد استحقاق منه لها فی نفسه ، و اختیار منی له، فما كان ذلك منی الا أن أكون الحاقن لدمائكم، و الذائد عنكم، باستدامة المودة بیننا و بینهم . و هی الطریق أسلكها فی اكرام آل أبی طالب، و مواساتهم فی الفیی ء بیسیر ما یصیبهم منه .

و ان تزعموا : أنی أردت أن یؤول الیهم عاقبة و منفعة، فانی فی تدبیركم، و النظر لكم و لعقبكم، و ابنائكم من بعدكم .. و أنتم ساهون، لاهون، تائهون ، فی غمرة تعمهون، لا تعلمون ما یراد بكم، و ما أظللتم علیه من النقمة، و ابتزاز النعمة . همة أحدكم أن یمسی مركوبا، و یصبح مخمورا تباهون بالمعاصی ، و تبتهجون بها، و آلهتكم البرابط، مخنثون، مؤنثون لا یتفكر متفكر منكم فی اصلاح معیشة، و لا استدامة نعمة، و لا اصطناع مكرمة، و لا كسب حسنة یمد بها عنقه، یوم لا ینفع مال و لا بنون الا من أتی الله بقلب سلیم ..

أضعتم الصلاة، و اتبعتم الشهوات، و اكببتم علی اللذات، فسوف تلقون غیا . و أیم الله، لربما أفكر فی أمركم، فلا أجد أمة من الامم استحقوا



[ صفحه 463]



العذاب، حتی نزل بهم لخلة من الحلال، الا أصیب تلك الخلة بعینها فیكم، مع خلال كثیرة، لم أكن أظن أن ابلیس اهتدی الیها، و لا أمر بالعمل بها . و قد أخبر الله تعالی فی كتابه العزیز عن قوم صالح : أنه كان فیهم تسعة رهط یفسدون فی الارض و لا یصلحون، فأیكم لیس معه تسعة و تسعون من المفسدین فی الأرض، قد اتخذتموهم شعارا، و دثارا، استخفافا بالمعاد، و قلة یقین بالحساب . و أیكم له رأی یتبع، أو رویة تنفع، فشاهت الوجوه، و عفرت الخدود .

و أما ما ذكرتم : من العثرة كانت فی أبی الحسن (ع) نور الله وجهه، فلعمری . انها عندی للنهضة و الاستقلال، الذی أرجو به قطع الصراط، و الأمن و النجاة من الخوف یوم الفزع الاكبر . و لا أظن عملا هو عندی أفضل من ذلك، الا أن أعود بمثلها الی مثله، و أین لی بذلك، و أنی لكم بتلك السعادة ..

و أما قولكم : انی سفهت آراء آبائكم، و أحلام أسلافكم، فكذلك قال مشركوا قریش : « انا وجدنا آباءنا علی أمة، و انا علی آثارهم مقتدون » . ویلكم، ان الدین لا یؤخذ الا من الأنبیاء، فافقهوا، و ما أراكم تعقلون ..

و أما تعبیركم ایای : بسیاسة المجوس ایاكم، فما أذهبكم الانفة [2] من ذلك، ولو ساستكم القردة و الخنازیر، و ما أردتم الا أمیرالمؤمنین .. و لعمری، لقد كانوا مجوسا فأسلموا، كآبائنا، و أمهاتنا فی القدیم، فهم المجوس الذین أسلموا و أنتم المسلمون الذین ارتدوا، فمجوسی أسلم خیر من مسلم ارتد، فهم یتناهون عن المنكر، و یأمرون بالمعروف، و یتقربون من الخیر، و یتباعدون من الشر، و یذبون عن حرم المسلمین،



[ صفحه 464]



یتباهجون بما نال الشرك و أهله من النكر، و یتباشرون بما نال الاسلام و أهله من الخیر .. منهم من فضی نحبه، و منهم من ینتظر، و ما بدلوا تبدیلا .

و لیس منكم الا لاعب بنفسه، مأفون فی عقله و تدبیره : اما مغن، أو ضارب دف ، أو زامر . و الله، لو أن بنی أمیة الذین قتلتموهم بالأمس نشروا، فقیل لهم : لا تأنفوا من معائب تنالوهم بها، لما زادوا علی ما صیرتموه لكم شعارا و دثارا، و صناعة و أخلاقا ..

لیس منكم الا من اذا مسه الشر جزع، و اذا مسه الخیر منع، و لا تأنفون، و لا ترجعون الا خشیة، و كیف یأنف من یبیت مركوبا، و یصبح باثمه معجبا، كأنه قد اكتسب حمدا، غایته بطنه و فرجه، لا یبالی أن ینال شهوته بقتل ألف نبی مرسل، أو ملك مقرب . أحب الناس الیه من زین له معصیة، أو أعانه فی فاحشة ، تنظفه المخمورة، و تربده المطمورة، فشتت الأحوال .. فان ارتدعتم مما أنتم فیه من السیئات و الفضائح، و ما تهذرون به من عذاب ألسنتكم .. و الا فدونكم تعلوا بالحدید ..

و لا قوة الا بالله، و علیه توكلی، و هو حسبی » .



[ صفحه 465]




[1] في الترجمة الفارسية هكذا : « علي دفع علي (ع) عنها الخ .. ».

[2] الظاهر أن الصواب : « فما أذهبكم عن الأنفة ».